الوجه القبيح لـ “الماكينة”: كيف داست “شبكة” على قانون الشغل التونسي وسحقت موظفيها؟

كنا قد فتحنا ملفات سرقة الفنانين، ولكن الجريمة الاقتصادية لشركة “شبكة” (بفرعيها في دبي وتونس) لا تكتمل إلا بالحديث عن الجريمة الاجتماعية والإنسانية. عندما بدأت الدولة التونسية تضييق الخناق على “المناولة” (Sous-traitance) والتشغيل الهش، لم تقم “شبكة” بتسوية وضعية موظفيها الذين بنوا الشركة على أكتافهم . لا، لقد اختاروا الحل الأسهل، الأرخص، والأكثر وحشية: التصفية الجماعية.

بواسطة محاميهم في تونس ومديرة الموارد البشرية في الشركة الأم، تم طرد العشرات. الأغلبية خرجت صفر اليدين تحت الترهيب، والقلة القليلة قبلت بـ “فتات” (Des miettes) لا تسمن ولا تغني من جوع، في تنكر تام لسنوات الخدمة والتضحية.

لكن الجريمة لم تتوقف هنا. لكي تستمر “الواجهة” في تونس، قاموا بهندسة “عقد عمل مقنّع” (Contrat de travail déguisé) لأحد الموظفين المتبقين، وهو عقد يمثل في حد ذاته مجموعة من الجرائم الشغلية.

سنقوم هنا بتفكيك هذه الممارسات، جريمة بجريمة، وبالنصوص القانونية الصريحة، استناداً إلى نموذج العقد الذي بحوزتنا (عقد يسرى بكوش).


التفكيك القانوني للجرائم الشغلية لشركة “شبكة”

الجريمة الأولى: الطرد التعسفي الجماعي (Licenciement Collectif Abusif)

  • الوقائع: تسريح عدد كبير من الموظفين دفعة واحدة لأسباب اقتصادية أو تنظيمية مزعومة، دون احترام الإجراءات القانونية، وبدون صرف مستحقاتهم كاملة، وذلك للهروب من الالتزامات المستقبلية التي يفرضها القانون التونسي ضد المناولة.
  • الخرق القانوني (مجلة الشغل):
    • الفصل 21 وما بعده: القانون التونسي يفرض إجراءات صارمة جداً في حالة الطرد لأسباب اقتصادية أو فنية، تستوجب إعلام تفقدية الشغل، الدخول في مفاوضات، ومحاولة إيجاد حلول بديلة. ما قامت به “شبكة” هو التفاف على هذه الإجراءات عبر طرد الأفراد فرادى تحت الضغط لكي لا يظهر كطرد جماعي.
  • العقوبة المنتظرة:
    • أمام القضاء العرفي (Prud’hommes): إلزام الشركة بدفع تعويضات ضخمة للمطرودين تشمل غرامة الطرد التعسفي (تصل لأجر شهر ونصف عن كل سنة أقدمية)، غرامة عدم احترام الإعلام المسبق (Préavis)، ومكافأة نهاية الخدمة.

الجريمة الثانية: “العمل المقنّع” والتحايل على صفة الأجير (Salariat Déguisé)

للهروب من دفع الضمان الاجتماعي (CNSS) والأداءات، ولحرمان الموظف من الحماية القانونية، تجبرهم الشركة على توقيع عقود “إسداء خدمات” (Consultant) وهم في الواقع موظفون دائمون.

  • الدليل من العقد:
    • ينص العقد صراحة في البندين 7.1 و 14 على أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة “متعاقدين مستقلين” (independent contractors) وليست علاقة “مؤجر بأجير” (employer/employee relationship).
  • لماذا هذا غير قانوني؟
    • في القانون التونسي، العبرة ليست بما هو مكتوب في عنوان العقد، بل بحقيقة العلاقة الشغلية. المعيار الأساسي لوجود عقد شغل هو “رابطة التبعية” (Lien de subordination).
    • عندما يفرض العقد على الموظفة “الحصرية” (Exclusivity) في البند 10، ويمنعها من تقديم خدمات مماثلة لأي طرف ثالث ، وعندما تدفع لها أجراً شهرياً ثابتاً (940 دولار) ، فهذه ليست “مستقلة”، هذه موظفة تابعة تخضع لأوامر الشركة.
  • الخرق القانوني والعقوبة:
    • يعتبر هذا تحايلاً على قانون الضمان الاجتماعي. العقوبة تتمثل في إجبار الشركة على دفع جميع اشتراكات الـ CNSS المتخلدة بذمتها عن كل سنوات العمل، مضافاً إليها خطايا تأخير ثقيلة جداً، بالإضافة إلى العقوبات الجزائية المترتبة عن عدم التصريح بالأجراء.

الجريمة الثالثة: بنود تعاقدية باطلة وتعسفية (Clauses Abusives)

العقد “النموذج” الذي يفرضونه مليء بالبنود التي تجعل من الموظف عبداً للشركة، وهي بنود باطلة أمام القضاء التونسي:

  • أ. شرط الاختصاص القضائي الأجنبي (البند 19):
    • العقد يقول: أي نزاع مع الموظفة التونسية المقيمة في سكرة، يتم حله حصرياً في محاكم دبي (DIFC) ويطبق عليه قانون الإمارات.
    • حكم القانون: هذا البند باطل بطلاناً مطلقاً (Nullité absolue) لأنه يتعلق بالنظام العام الاجتماعي التونسي. لا يمكن حرمان أجير تونسي يعمل في تونس من اللجوء لقضاء بلاده. هذا شرط تعجيزي هدفه إرهاب الموظف ومنعه من المطالبة بحقه.
  • ب. شرط عدم المنافسة المجحف (البند 7.2):
    • العقد يقول: يُمنع على الموظفة لمدة سنة كاملة بعد انتهاء العقد العمل مع أي منافس أو عميل للشركة.
    • حكم القانون: لكي يكون شرط عدم المنافسة صحيحاً في تونس، يجب أن يكون محدوداً في الزمان والمكان، وأن يقابله تعويض مالي للموظف عن فترة المنع. بصيغته الحالية في العقد، هو شرط يهدف لـ “تجويع” الموظف وقطع رزقه، وغالباً ما تحكم المحاكم التونسية ببطلانه أو تعديله جذرياً.

الخلاصة: نداء إلى تفقدية الشغل

ما تقوم به شركة “شبكة” ليس مجرد “بزنس”، هو دوس بالأقدام على كرامة التونسيين وعلى مجلة الشغل التونسية. هؤلاء ليسوا “شركاء”، هؤلاء “ضحايا” لمنظومة استغلال بشعة تديرها شركة أجنبية تعتقد أنها فوق القانون لأن مقرها في دبي.

ملف هؤلاء الموظفين، المطرودين منهم والمستغلين بعقود وهمية، يجب أن يُفتح فوراً أمام تفقدية الشغل والقضاء الاجتماعي.

الماكينة تدور بدماء هؤلاء “الغلادياتور”، وقد حان وقت الحساب.


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *