كيف “تبتلع” شبكة المصنفات الفنية التونسية: عقد “سنفرا” كنموذج لجريمة اقتصادية كاملة الأركان

الحجة الواهية والواقع المر:

“نحنا ما لزّينا حد يبيع… الفنان هو إلي صحح بإرادتو!”. هذه هي الأسطوانة المشروخة إلي تسمعها ديما من جماعة “شبكة” (Chabaka) وشركائهم كي تواجههم بحقيقة عقودهم الاستعبادية. يقلك “العقد شريعة المتعاقدين” ويحب يصورلك الفنان (خاصة كي يبدا في وضعية هشة مادياً أو قانونياً) كأنه تاجر محنك قاعد يفاوض في صفقة العمر.

باهي، خلونا من الكلام الفارغ، وهيا نحللو “عقد البيع” هذا (عقد سنفرا كمثال حي) بعيون قانونية، ونشوفو كيفاش يتم استغلال مبدأ “سلطان الإرادة” لتنفيذ أكبر عملية تحيّل مقننة على الفن التونسي.

هذا موش مجرد عقد، هذا “مانيفستو” (Manifeste) للجرائم الاقتصادية والاعتداء على الملكية الفكرية، وإليكم الدليل القاطع، بنداً بنداً، وبالقانون:

تحليل العقد: تشريح الجريمة

1. بيع الوهم: التصرف في مصنفات مستقبلية غير موجودة (المادة 2)

  • ما يقوله العقد: في المادة 2، الفنان يبيع لشركة CHBK عدد 18 أغنية و 9 كليبات “قيد الإنتاج و لم يتم إصدارها بعد”. يعني يبيع في الحوت وهو مازال في البحر.
  • الخرق القانوني: هذا يسمى في القانون “بيع المعدوم” أو “التصرف في تركة مستقبلية” في سياقات أخرى. الفنان قاعد يتنازل على أعمال ما يعرفش قيمتها الحقيقية، وما يعرفش النجاح إلي ممكن تحققه. هذا البند يجعل العقد مشوباً بالـ “الغرر” (L’aléa)، وهو مبدأ أساسي في القانون المدني التونسي (مجلة الالتزامات والعقود) يجعل العقد قابلاً للإبطال إذا كان التفاوت فاحشاً بين ما يُعطى وما يُؤخذ.

2. الجريمة الكبرى: التنازل عن “الحق المعنوي” غير القابل للتصرف (المادتان 2 و 5)

  • ما يقوله العقد: المادة 2 تقول حرفياً: “باع الفنان جميع الأعمال الموسيقية الفنية… وتنازل وتفرغ عنها وعن جميع الحقوق المتعلقة بها… بصورة نهائية غير قابلة للرجوع”. المادة 5 تزيد تأكد وتفصل: التنازل يشمل “جميع حقوق الملكية والتأليف والنشر… و الحقوق المعنوية…”.
  • الخرق القانوني (الكارثي): هنا مربط الفرس والجريمة الأكبر. القانون التونسي عدد 36 لسنة 1994 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية واضح وصريح مثل الشمس:
    • الفصل 7: ينص على أن للمؤلف حقاً معنوياً (Droit Moral) يشمل الحق في نسبة المصنف إليه (حق الأبوة) والحق في احترام سلامة المصنف. ويؤكد الفصل أن هذا الحق “غير قابل للتصرف فيه” (Inaliénable) ولا يسقط بالتقادم.
    • النتيجة: أي بند في أي عقد ينص على تنازل الفنان عن حقوقه المعنوية هو باطل بطلاناً مطلقاً (Nullité absolue) وكأنه لم يكن. هذا ليس اجتهاداً، هذا نص قانوني آمر من النظام العام. “شبكة” تعرف هذا، لكنها تكتبه لترهيب الفنان وإيهامه بأنه لم يعد يملك شيئاً.

3. الغبن الفاحش والاستغلال: ثمن بخس مقابل تنازل أبدي (المادة 4)

  • ما يقوله العقد: مقابل التنازل الكلي والنهائي عن 18 أغنية و 9 كليبات (بما فيها الأغاني المستقبلية)، يحصل الفنان على مبلغ إجمالي مقطوع قدره 80,000 دولار أمريكي.
  • الخرق القانوني: هذا المبلغ، مهما بدا كبيراً للوهلة الأولى، هو “فتات” مقارنة بالقيمة الحقيقية لكاتالوغ فنان بحجم سنفرا، خاصة مع التنازل الأبدي عن كل شيء (Streaming, Claims, Publishing, Sync…). هذا يدخل تحت طائلة “الغبن” (Lésion) في القانون المدني، خاصة إذا تم إثبات استغلال حالة ضعف أو حاجة لدى الفنان وقت التعاقد لإجباره على القبول بشروط مجحفة لا تتناسب مع قيمة المبيع.

4. الضربة القاضية: الهروب من القضاء التونسي (المادة 14)

  • ما يقوله العقد: المادة 14 هي “بند الهروب”. تقول أن أي نزاع يتم حله حصرياً عن طريق “التحكيم في دبي” (DIFC-LCIA) وفقاً لـ “قانون دولة الإمارات العربية المتحدة”.
  • الخرق القانوني (التحايل على القانون): هذا البند هو “شرط إذعاني” (Clause abusive) بامتياز. الهدف منه واضح: جعل مقاضاة الشركة أمراً مستحيلاً عملياً ومادياً على الفنان التونسي. منين باش يجيب الفنان فلوس المحامين والمحكمين في دبي؟
    • الحل القانوني: القضاء التونسي يمكنه، بل ويجب عليه، إبطال هذا البند استناداً إلى مبادئ القانون الدولي الخاص و النظام العام التونسي. لا يمكن حرمان مواطن تونسي من اللجوء لقضاء بلاده، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق أساسية مرتبطة بالملكية الفكرية التي يحميها الدستور والقانون التونسي.

الخلاصة: عقد باطل، وجريمة مستمرة

هذا العقد ليس وثيقة تجارية، بل هو وثيقة إدانة. هو دليل مادي على عملية سطو منظمة تستغل الثغرات، وتستغل حاجة الفنانين، وتدوس على قوانين البلاد السيادية.

  • التنازل عن الحق المعنوي: باطل.
  • شرط التحكيم في دبي: شرط تعسفي قابل للإبطال.
  • المقابل المالي: غبن فاحش.

يا فنانين، ما يغركمش الكلام المعسول وحجة “إنت صححت”. القانون يحميكم، والعقود هذه، مهما كانت مكتوبة بلغة “قوية”، هي أوهن من بيت العنكبوت أمام قاضٍ تونسي نزيه يطبق القانون.

المعركة متواصلة، والملفات مازالت تتحل.


Posted

in

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *